كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} أَيْ أَخْرَجَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ حَالَ كَوْنِهِ نَازِعًا عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا- أَيْ سَبَبًا لِنَزْعِ مَا اتَّخَذَاهُ لِبَاسًا لَهُمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ لِأَجْلِ أَنْ يُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا أَوْ لِتَكُونَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ إِرَاءَتَهُمَا سَوْآتِهِمَا دَائِمًا. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا مَا هُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ أَنَّهُمَا كَانَا يَعِيشَانِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا عُرْيَانَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ ثِيَابٌ تُصْنَعُ وَمَا ثَمَّ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَيْثُ يُوجَدُ.
وَلَا نَعْلَمُ أَكَانَ يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ ذُو وَرَقٍ عَرِيضٍ فِي غَيْرِ الْجَنَّةِ الَّتِي أُخْرِجَا مِنْهَا؟ وَجَمِيعُ الْبَاحِثِينَ فِي طَبَائِعِ الِاجْتِمَاعِ وَعَادِيَّاتِ الْبَشَرِ وَآثَارِهِمْ يَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الصِّنَاعَاتِ يَعِيشُونَ عُرَاةً، وَأَنَّ أَوَّلَ مَا اكْتَسَوْا بِهِ وَرَقُ الشَّجَرِ وَجُلُودُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَصْطَادُونَهَا، وَلَا يَزَالُ فِي الْمُتَوَحِّشِينَ مِنْهُمْ مَنْ يَعِيشُ كَذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ جَعْلُهُمْ {يَنْزِعُ} حَالًا مِنْ فَاعِلِ يُخْرِجُ، وَمِثْلُهُ جَعَلَهُ حَالًا مِنْ {أَبَوَيْكُمْ} الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ يُخْرِجُ، وَلَكِنَّ جَمِيعَ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ يَجْعَلُ مَا هَنَا عَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ظُهُورِ سَوْآتِهِمَا لَهُمَا عَقِبَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْجَنَّةِ، الَّذِي كَانَ بَعْدَ سَتْرِهِمَا سَوْآتِهِمَا بِمَا خَصَفَا عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِهَا، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا لِبَاسٌ فَنُزِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ مُوَارًى فَظَهَرَ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرَى مِنْ نَفْسِهِ وَمِنَ الْآخَرِ مَا لَمْ يَكُنْ يَرَى.
وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا اللِّبَاسُ حِسِّيًّا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعْنَوِيًّا، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّ لِبَاسَهُمَا كَانَ الظُّفْرُ، وَأَنَّهُ نُزِعَ عَنْهُمَا بِسَبَبِ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَتُرِكَتِ الْأَظْفَارُ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ تَذْكِرَةً وَزِينَةً، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا نُورٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ السَّوْءَتَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِلِبَاسِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَالِكَ أَنَّ هَذَا وَذَاكَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} قَالَ: التَّقْوَى. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللِّبَاسُ غَيْرَهَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَبَرٌ تَثْبُتُ بِهِ الْحُجَّةُ. وَاخْتَارَ التَّفْوِيضُ وَتَرْكُ تَعْيِينِ ذَلِكَ اللِّبَاسِ.
وَهَذَا مَا اعْتَمَدْنَا عَلَيْهِ هُنَالِكَ فِي رَدِّ الرِّوَايَاتِ؛ فَإِنَّ التَّعْيِينَ فِي مِثْلِهَا لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنَ الْمَعْصُومِ. وَأَمَّا مَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ، فَأَخَذْنَاهُ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي التَّكْوِينِ وَبَدْءِ الْخَلْقِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ رُؤْيَةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ سَوْءَةَ الْآخَرِ حَتَّى فِي خَلْوَةِ الْمُبَاعَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ. وَإِنَّمَا الْقِصَّةُ مُبَيِّنَةٌ لِحَالِ الْفِطْرَةِ وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمُ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوِ الْإِبَاحَةُ؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ حَرَجٌ شَدِيدٌ وَتَحَكُّمٌ فِي الْفِطْرَةِ، وَحَجْرٌ عَلَيْهَا فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ الْحَلَّالِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا بِمَا لَا تَظْهَرُ لَهُ حِكْمَةٌ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُبَاحِ وَلَا حَجْرَ فِيهِ وَلَا حَرَجَ. وَمَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ السُّنَّةِ فَآدَابٌ إِرْشَادِيَّةٌ لِلْخَوَاصِّ يَسْتَفِيدُ كُلٌّ مِنْهَا بِقَدْرِ سَلَامَةِ فِطْرَتِهِ، وَدَرَجَةِ أَدَبِهِ وَفَضِيلَتِهِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى مِنْهَا وَلَا رَأَتْ مِنْهُ. وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَعْلَ رُؤْيَةِ السَّوْءَةِ وَلاسيما بَاطِنُهَا مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا فَلَا يَحْسُنُ التَّمَادِي فِيهَا- مِمَّا لَا تَظْهَرُ لَهُ حِكْمَةٌ تَلِيقُ بِدِينِ الْفِطْرَةِ؛ فَإِنَّ إِطْلَاقَ الْعِنَانِ فِي الْمُبَاحَاتِ كُلِّهَا قَدْ يُفْضِي إِلَى الْإِسْرَافِ الضَّارِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ صَاحِبُهُ زِيَادَةَ اللَّذَّةِ فَيَصْدُقُ قَوْلُ الْأَمْثَالِ: مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ وَقَعَ فِي النُّقْصَانِ. وَرُبَّ أَكْلَةٍ هَاضَتِ الْآكِلَ وَحَرَمَتْهُ مَآكِلَ، وَمَا جَاوَزَ حَدَّهُ جَاوَرَ ضِدَّهُ. وَلَكِنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ عَالِيَةٌ لَا يَفْقَهُهَا إِلَّا حَكِيمٌ خَبِيرٌ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ مُنْتَهَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّذَّةِ- وَإِنْ مُبَاحَةً- فَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ حَدِّ أَدَبٍ شَرْعِيٍّ وَلَا فِطْرِيٍّ وَلَا طِبِّيٍّ آلَ أَمْرُهُ فِي الْإِسْرَافِ إِلَى إِضْعَافِ هَذِهِ اللَّذَّةِ، حَتَّى يَحْتَاجَ فِي إِثَارَتِهَا إِلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْأَدْوِيَةِ ثُمَّ لَا تَكُونُ إِلَّا نَاقِصَةً وَيُكَرِّرُ إِضْعَافَهَا بَعْدَ إِثَارَتِهَا بِسُنَّةِ رَدِّ الْفِعْلِ حَتَّى تَكُونَ مَرَضًا. وَيَكُونُ صَاحِبُهَا حَرَضًا أَوْ يَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَلِهَذَا تَرَى أَكْثَرَ الْمُتْرَفِينَ سَيِّئِي الْهَضْمِ شَدِيدِي الْإِقْهَاءِ وَالطَّسِّيِّ يُكْثِرُونَ حَتَّى فِي سِنِّ الشَّبَابِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُحَرِّضَاتِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالْمَعَاجِينِ وَالْحُبُوبِ السَّامَّةِ الَّتِي تُقَوِّي الْبَاهَ فَتَنْتَابُهُمُ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ، وَيُسْرِعُ إِلَيْهِمُ الْهَرَمُ إِذَا لَمْ يُسْرِعِ الْحِمَامُ.
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَمْكِينِ الشَّيْطَانِ مِمَّا يَبْغِي مِنَ الْفِتْنَةِ، وَتَأْكِيدٌ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُ وَالتَّذْكِيرِ بِعَدَاوَتِهِ وَضَرَرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرَانَا هُوَ وَقَبِيلُهُ أَيْ جُنُودُهُ وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَلَا نَرَاهُمْ وَأَصْلُ الْقَبِيلِ: الْجَمَاعَةُ كَالْقَبِيلَةِ وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْقَبِيلَةَ بِمَنْ كَانَ لَهُمْ أَبٌ وَاحِدٌ وَالْقَبِيلُ أَعَمُّ وَ{حَيْثُ} ظَرْفُ مَكَانٍ، أَيْ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُونَ غَيْرَ مَرْئِيِّينَ مِنْكُمْ، وَالضَّرَرُ إِذَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى كَانَ خَطَرُهُ أَكْبَرَ، وَوُجُوبُ الْعِنَايَةِ بِاتِّقَائِهِ أَشَدَّ، كَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ بَعْضِ الْأَدْوَاءِ وَالْأَوْبِئَةِ الَّتِي تَثْبُتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنَيْنِ بِالْمِجْهَرِ- أَيِ الْمِرْآةِ أَوِ النَّظَّارَةِ الْمُكَبِّرَةِ لِلْمَرْئِيَّاتِ- وَهُوَ أَنَّ لِكُلِّ دَاءٍ مِنْهَا جِنَّةً مِنَ الدِّيدَانِ أَوِ الْهَوَامِّ الْخَفِيَّةِ تَنْفُذُ إِلَى الْبَدَنِ بِنَقْلِ الذُّبَابِ أَوِ الْبَعُوضِ أَوِ الْقَمْلِ أَوِ الْبَرَاغِيثِ، أَوْ مَعَ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ أَوِ الْهَوَاءِ، فَتَتَوَالَدُ وَتُنَمَّى بِسُرْعَةٍ عَجِيبَةٍ حَتَّى تُفْسِدَ عَلَى الْمَرْءِ رِئَتَهُ فِي دَاءِ السُّلِّ، وَأَمْعَاءَهُ فِي الْهَيْضَةِ الْوَبَائِيَّةِ، وَدَمَهُ فِي الطَّاعُونِ وَالْحُمَّيَاتِ الْخَبِيثَةِ، وَقَدْ أُشِيرَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى سَبَبِ الطَّاعُونِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ وَخْزِ الْجِنِّ، وَإِلَى دَاءِ السُّلِّ فِيمَا وَرَدَ مِنْ تَحَوُّلِ الْغُبَارِ فِي الصَّدْرِ إِلَى نَسَمَةٍ.
وَفِعْلُ جِنَّةِ الشَّيَاطِينِ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ كَفِعْلِ هَذِهِ الْجِنَّةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْأَطِبَّاءُ الْمَيَكْرُوبَاتِ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ أَجْسَامِ الْأَحْيَاءِ: تُؤَثِّرُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ لَا تُرَى فَتُتَّقَى. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا فِي اتِّقَاءِ ضَرَرِهَا بِنَصَائِحِ أَطِبَّاءِ الْأَبْدَانِ- وَلاسيما فِي أَوْقَاتِ الْأَوْبِئَةِ- كَاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرَاتِ الطِّبِّيَّةِ وَالتَّوَقِّي مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْمُلَوَّثِ بِوُصُولِ شَيْءٍ إِلَيْهِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْمُصَابِينَ بِالْهَيْضَةِ أَوِ الْحُمَّى التَّيْفُوئِيدِيَّةِ، إِلَّا أَنْ يُغْلَى ثُمَّ يُحْفَظَ فِي آنِيَةٍ نَظِيفَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانُوا يَرَوْنَ تِلْكَ الْجِنَّةَ بِأَعْيُنِهِمْ كَمَا يَرَاهَا الْأَطِبَّاءُ بِمُجَاهَرِهِمْ لَاتَّقَوْهَا مِنْ غَيْرِ تَوْصِيَةٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ. وَالْوِقَايَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اتِّخَاذُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَمْنَعُ طُرُوءَهَا مِنَ الْخَارِجِ، كَالَّذِي تَفْعَلُهُ الْحُكُومَاتُ فِي الْمَحَاجِرِ الصِّحِّيَّةِ فِي ثُغُورِ الْبِلَادِ وَمَدَاخِلِهَا، أَوْ فِي أَمْكِنَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْهَا كَجَزَائِرِ الْبِحَارِ لِلْوِقَايَةِ الْعَامَّةِ لِلْبِلَادِ كُلِّهَا. أَوْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ بَعْضٍ، وَمِثْلُهُ مَا يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْبُيُوتِ لِوِقَايَةِ بُيُوتِهِمْ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: تَقْوِيَةُ الْأَبْدَانِ بِالْأَغْذِيَةِ الْجَيِّدَةِ وَالنَّظَافَةِ التَّامَّةِ لِتَقْوَى عَلَى مَنْعِ فَتْكِ هَذِهِ الْجِنَّةِ فِيهَا إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهَا، كَمَا يُتَّقَى تَوَلُّدُ السُّوسِ فِي حَبِّ الْحَصِيدِ بِتَجْفِيفِهِ وَوَضْعِ بَعْضِ الْمَوَادِّ الْوَاقِيَةِ فِيهِ، وَكَمَا يُتَّقَى وُصُولُ الْعُثِّ إِلَى الثِّيَابِ الصُّوفِيَّةِ بِمَنْعِ وُصُولِ الْغُبَارِ إِلَيْهَا، أَوْ بِوَضْعِ الدَّوَاءِ الْمُسَمَّى بِالنَّفْتَالِينِ بَيْنَهَا، وَهُوَ يَقْتُلُ الْعُثَّ بِرَائِحَتِهِ.
كَذَلِكَ يَجِبُ الْأَخْذُ بِإِرْشَادِ طِبِّ الْأَنْفُسِ وَالْأَرْوَاحِ فِي وِقَايَتِهَا مِنْ فَتْكِ جِنَّةِ الشَّيَاطِينِ فِيهَا بِالْوَسْوَسَةِ الَّتِي تُزَيِّنُ لِلنَّاسِ الْأَبَاطِيلَ وَالشُّرُورَ الْمُحَرَّمَةَ فِي هَذَا الطِّبِّ لِشِدَّةِ ضَرَرِهَا- وَلَمْ يُحَرِّمِ الدِّينُ شَيْئًا عَلَى النَّاسِ إِلَّا لِضَرَرِهِ وَإِفْسَادِهِ- فَإِنَّ مَدَاخِلَهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَتَأْثِيرَهَا فِي قُلُوبِهِمْ وَخَوَاطِرِهِمْ، كَدُخُولِ تِلْكَ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَأْثِيرِهَا فِي أَعْضَائِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا تُرَى وَاتِّقَاؤُهَا كَاتِّقَائِهَا نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَقْوِيَةُ الْأَرْوَاحِ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ وَمُنَاجَاتِهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَالتَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَالْفَضَائِلِ، وَتَرْكِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمِ وَالْبَغْيِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ حَتَّى تَرْسُخَ فِيهِ مَلَكَاتُ الْخَيْرِ، وَحُبُّ الْحَقِّ، وَكَرَاهَةُ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ- فَحِينَئِذٍ تَبْعُدُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ فَتَبْعُدُ عَنْهَا، وَلَا تُطِيقُ الدُّنُوَّ مِنْهَا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُثِّ مَعَ الثَّوْبِ الْمُشَبَّعِ بِرَائِحَةِ النَّفْتَالِينِ، بَلِ الْجُعَلِ مَعَ عِطْرِ الْوَرْدِ أَوِ الْيَاسَمِينِ، وَهَؤُلَاءِ الْمُتَّقُونَ هُمْ عِبَادُ اللهِ الْمُخْلَصُونَ، الَّذِينَ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْفِطْرِيَّةِ الْوَارِدَةِ بِأُسْلُوبِ الْخِطَابِ بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَبَيْنَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْحِجْرِ: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (15: 39- 42) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَأَمْثَالُهُ فِي تَفْسِيرِ الْقِصَّةِ، وَهَذَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فِي الْآيَةِ هُوَ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي الْخِلْقَةِ الرُّوحِيَّةِ بِأَنَّ الرُّوحَ الْكَامِلَ الْمُهَذَّبَ بِالتَّقْوَى وَالْإِخْلَاصِ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِيَّةُ وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى نَفْيِ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ الْمَيُكْرُوبَاتِ وَالْهَوَامَّ لَا تَجِدُ لَهَا مَأْوًى فِي الْأَجْسَادِ النَّظِيفَةِ الطَّاهِرَةِ الْقَوِيَّةِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي- مِنْ هَذِهِ التَّقْوَى- مَا يُعَالَجُ بِهِ الْوَسْوَاسُ بَعْدَ طُرُوئِهِ، كَمَا يُعَالَجُ الْمَرَضُ بَعْدَ حُدُوثِهِ بِتَأْثِيرِ تِلْكَ الْهَوَامِّ الْخَفِيَّةِ فِيهِ، بِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَقْتُلُهَا وَتَمْنَعُ امْتِدَادَ ضَرَرِهَا. وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ التَّنْبِيهِ وَالتَّذَكُّرِ لِمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الْوَسْوَسَةِ مِنْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، أَنْ تُتْرَكَ الْمَعْصِيَةُ وَيُؤَدَّى الْوَاجِبُ وَيَتُوبُ الْعَاصِي كَمَا تَابَ أَبُونَا آدَمُ وَزَوْجُهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ بِاللِّسَانِ كَمَا فَعَلَ أَبَوَانَا بِقَوْلِهِمَا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} (23) الْآيَةَ. وَفَاقَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي مُعَالَجَةِ الْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي تَأْثِيرِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى فِي مُعَالَجَةِ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ وَالْأَفْكَارِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تُحْدِثُهَا هَذِهِ الْوَسْوَسَةُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ السُّورَةِ: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (200، 201) وَمِنْهُ مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ فِرَارِ الشَّيْطَانِ، وَكَوْنِهِ مَا سَلَكَ فَجًّا إِلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ.
قَدْ سَبَقَ لَنَا بَيَانُ مِثْلِ هَذَا التَّشَابُهِ بَيْنَ تَأْثِيرِ الْأَحْيَاءِ الْخَفِيَّةِ الْمُجْتَنَّةِ فِي الْأَجْسَادِ وَفِي الْأَنْفُسِ وَقَدْ أَعَدْنَاهُ هُنَا مُفَصَّلًا لِقُوَّةِ الْمُنَاسَبَةِ، وَلِتَذْكِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَقْوَى مَا يَرُدُّونَ بِهِ شُبَهَاتِ بَعْضِ الْمَادِّيِّينَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ الْجِنَّةِ وَالشَّيَاطِينِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُمْ؛ أَوْ لِأَنَّ وَجُودَهُمْ بَعِيدٌ عَنِ النَّظَرِيَّاتِ وَالْمَأْلُوفَاتِ عِنْدَهُمْ، عَلَى أَنَّ أَرْوَاحَهُمُ الْخَبِيثَةَ الَّتِي يُنْكِرُونَ وَجُودَهَا أَيْضًا هِيَ أَوْسَعُ الْأَوْطَانِ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ الشَّيْءِ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِ صَحِيحًا وَأَصْلًا يَنْبَغِي لِلْعُقَلَاءِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لَمَّا بَحَثَ عَاقِلٌ فِي الدُّنْيَا عَمَّا فِي الْوُجُودِ مِنَ الْمَوَادِّ وَالْقُوَى الْمَجْهُولَةِ، وَلَمَا كُشِفَتْ هَذِهِ الْمَيُكْرُوبَاتُ الَّتِي ارْتَقَتْ بِهَا عُلُومُ الطِّبِّ وَالْجِرَاحَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْهَا، وَلَا تَزَالُ قَابِلَةً لِلِارْتِقَاءِ بِكَشْفِ أَمْثَالِهَا، وَلَمَّا عُرِفَتِ الْكَهْرَبَاءُ الَّتِي أَحْدَثَ كَشْفُهَا هَذَا التَّأْثِيرَ الْعَظِيمَ فِي الْحَضَارَةِ، وَلَوْ لَمْ تُكْشَفْ هَذِهِ الْمَيْكُرُوبَاتُ وَأَخْبَرَ أَمْثَالَهُمْ بِهَا مُخْبِرٌ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ لِعَدُّوهُ مَجْنُونًا، وَجَزَمُوا بِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ أَحْيَاءٍ لَا تُرَى يُوجَدُ فِي نُقْطَةِ الْمَاءِ الصَّغِيرَةِ أُلُوفُ الْأُلُوفِ مِنْهَا، وَأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْأَبْدَانِ مِنْ خُرْطُومِ الْبَعُوضَةِ أَوِ الْبُرْغُوثِ إِلَخْ. كَمَا أَنَّ مَا يَجْزِمُ بِهِ عُلَمَاءُ الْكَهْرَبَاءِ مِنْ تَأْثِيرِهَا فِي تَكْوِينِ الْعَالَمِ، وَمَا تَعْرِفُهُ الشُّعُوبُ الْكَثِيرَةُ الْآنَ مِنْ تَخَاطُبِ النَّاسِ بِهَا مِنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ بِآلَاتِ التِّلِغْرَافِ وَالتِّلِيفُونِ اللَّاسِلْكِيَّةِ- كُلُّهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَتَصَوَّرُهُ عَقْلٌ وَقَدْ وَقَعَ بِالْفِعْلِ.
فَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ أَلَّا يَقْبَلَ أَحَدٌ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ فِي اتِّقَاءِ مَيُكْرُوبَاتِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ وَفِي الْمُعَالَجَةِ وَالتَّدَاوِي مِنْهَا إِلَّا إِذَا رَآهَا كَمَا يَرَوْنَهَا وَثَبَتَ عِنْدَهُ ضَرَرُهَا كَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ- فَإِنَّنَا نَعْذُرُهُمْ حِينَئِذٍ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْلِ أَلَّا يَقْبَلَ أَحَدٌ قَوْلَ أَطِبَّاءِ الْأَرْوَاحِ وَهُمُ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَوَرَثَتُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْهَادِينَ الْمُرْشِدِينَ فِي اتِّقَاءِ تَأْثِيرِ وَسْوَسَةِ الشَّيَاطِينِ، وَفِي التَّوْبَةِ مِنْ سُوءِ تَأْثِيرِهَا بِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ- وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْعَقْلُ الْمَادِّيُّ الْمَأْلُوفُ قَاضِيًا عَلَى أَصْحَابِهِ الْمَسَاكِينِ بِفَسَادِ أَبْدَانِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ جَمِيعًا.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْأَطِبَّاءَ قَدْ ثَبَتَتْ فَائِدَةُ طِبِّهِمْ وَأَدْوِيَتِهِمْ بِالتَّجْرِبَةِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ وَالتَّسْلِيمُ لَهُمْ بِمَا يَقُولُونَ- قُلْنَا: إِنَّ فَائِدَةَ طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ وَوَرَثَتِهِمْ فِي هِدَايَةِ النَّاسِ وَتَهْذِيبِ أَخْلَاقِهِمْ وَصَلَاحِ أَعْمَالِهِمْ أَشَدُّ ثُبُوتًا، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَادِّيِّينَ عَلَى ضَعْفِ عُقُولِهِمْ يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ مَا يَقُولُهُ الْأَطِبَّاءُ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا بِنَظَرِيَّاتِ الْفِكْرِ، فَهُمْ يَجْتَهِدُونَ فِي حِفْظِ أَبْدَانِهِمْ مِنَ الْجِهَةِ الْمَادِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُمْ يَجْهَلُونَ مَا يَجْنِي عَلَيْهِمْ كُفْرُهُمْ بِالطِّبِّ الرُّوحِيِّ الدِّينِيِّ فِي أَرْوَاحِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ جَمِيعًا، فَإِنَّ هَذَا الْكُفْرَ يَحْصُرُ هَمَّهُمْ فِي التَّمَتُّعِ بِاللَّذَّاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَيُسْرِفُونَ فِيهَا بِمَا يُضْعِفُ أَبْدَانَهُمْ مَهْمَا تَكُنِ الْعِنَايَةُ بِهَا عَظِيمَةً، دَعْ إِفْسَادَ أَخْلَاقِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَمَا يَجْنِيهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أُمَّتِهِمْ وَعَلَى الْبَشَرِ جَمِيعًا، وَنَاهِيكَ بِمَضَارِّ مَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ السُّكْرِ وَالزِّنَا وَالْقُمَارِ وَمَا يَسْتَبِيحُونَهُ مِنَ الْخِيَانَةِ لِلْأُمَّةِ فِي هَذِهِ السَّبِيلِ، فَلَوْ كَانَ الْخَوَنَةُ الَّذِينَ يَتَّخِذُهُمُ الْأَجَانِبُ أَعْوَانًا لَهُمْ عَلَى اسْتِعْبَادِ أُمَّتِهِمْ مُؤْمِنِينَ، مُعْتَصِمِينَ بِتَقْوَى اللهِ وَهَدْيِ كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ مِنَ الطَّمَعِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ بِالْبَاطِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، لَمَا خَانُوا اللهَ وَخَانُوا أَمَانَةَ أُمَّتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمُ اتِّبَاعًا لِشَهَوَاتِهِمْ، وَطَمَعًا فِي تَأَثُّلِ الْأَمْوَالِ وَالِادِّخَارِ لِأَوْلَادِهِمْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (8: 27، 28).